الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: النجوم الزاهرة في ملوك مصر والقاهرة **
هو واضح بن عبد الله المنصوري الخصي أمير مصر وليها من قبل المهدي بعد عزل عيسى بن لقمان عن مصر في جمادى الأولى سنة اثنتين وستين ومائة. فدخلها واضح المذكور في يوم السبت لست بقين من جمادى الأولى سنة اثنتين وستين ومائة المذكورة وجمع له المهدي صلاة مصر وخراجها معًا. ولما دخل مصر سكن المعسكر على عادة أمراء مصر وجعل على شرطته موسى بن زريق مولى بني تميم. وواضح هذا أصله من موالي صالح ابن الخليفة أبى جعفر المنصور. وكان خصيصًا عند المنصور إلى الغاية وكان يندبه إلى المهمات لشجاعة كانت فيه وشدة. ولما ولي إمرة مصر شد على أهلها فشكوا منه فعزله المهدي عنهم في شهر رمضان من سنة اثنتين وستين ومائة المذكورة بمنصور بن يزيد. فكانت ولاية واضح هذا على مصر نحو أربعة أشهر. وقال صاحب " البغية ": ثلاثة شهور. واستمر واضح هذا على بريد مصر إلى أن خرج إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وكان واضح المذكور فيه ميل للعلويين فحمله واضح على البريد إلى الغرب فنزل إدريس بمدينة يقال لها وليلة وكان إدريس هذا قد خرج أولًا مع الحسين صاحب فخ فلما قتل الحسين هرب إدريس هذا إلى مصر واختفى بها إلى أن وجهه واضح هذا إلى الغرب فلما وصل إدريس هذا إلى الغرب دعا لنفسه فأجابه من كان بها وبنواحيها من البربر وعظم أمره وبلغ ذلك الخليفة الهادي موسى فطلب واضحًا هذا وقتله وصلبه في سنة تسع وستين ومائة وقيل: الذي قتله هارون الرشيد لما تخلف بعد موت أخيه موسى الهادي في أول خلافته. ولاية منصور بن يزيد على مصر هو منصور بن يزيد بن منصور بن عبد الله بن شهر بن يزيد الزنجاني الحميري الرعيني أمير مصر وهو ابن خال المهدي ولاه المهدي إمرة مصر بعد عزل واضح عنها في سنة اثنتين وستين ومائة على الصلاة فقدم مصر يوم الثلاثاء لإحدى عشرة ليلة خلت من شهر رمضان سنة اثنتين وستين ومائة المذكورة وسكن المعسكر على عادة أمراء مصر وجعل على شرطته هاشم بن عبد الله بن عبد الرحمن بن معاوية بن حديج مدة يسيرة ثم عزله وولى عبد الأعلى بن سعيد الجيشاني ثم عزله أيضًا وولى عبد الأعلى بن سعيد الجيشاني ثم عزله أيضًا و ولى عسامة بن عمرو " المعافري " وكل ذلك في مدة يسيرة فإن ولاية منصور المذكور لم تطل على إمرة مصر وعزل عنها في النصف من ذي القعدة من سنة اثنتين وستين ومائة المذكورة بيحيى بن داود فكانت مدة ولاية منصور بن يزيد هذا على مصر شهرين وثلاثة أيام ولم أقف على وفاته بعد ذلك غير أنه ذكر في واقعة عبد السلام الخارجي أنه حضرها بقنسرين. وأمر عبد السلام بن هاشم اليشكري المذكور " أنه " كان قد خرج بالجزيرة واشتدت شوكته وكثر أتباعه فلقي عدة من قواد المهدي فيهم عيسى بن موسى القائد فقتله بعد أمور في عدة ممن معه وهزم جماعة من القواد فيهم شبيب بن واج المرورزدي فندب المهدي إلى شبيب ألف فارس وأعطى كل رجل منهم ألف درهم معونة فوافوا شبيبًا فخرج بهم في طلب عبد السلام المذكور فهرب منه السنة التي حكم فيها واضح مولى المنصور على مصر ثم من بعده منصور ابن يزيد الحميري الرعيني وهي سنة اثنتين وستين ومائة. فيها وضع الخليفة المهدي دواوين الأزمة وولى عليها عمرو بن مربع ولم يكن لبني أمية ذلك. ومعنى دواوين الأزمة: أن يكون لكل ديوان زمام وهو رجل يضبطه وقد كان قبل ذلك الدواوين مختلطة. وفيها وصلت الروم إلى " الحدث " فهدموا سورها فغزا الناس غزوة لم نسمع بمثلها وكان مقدم الغزاة الحسن بن قحطبة سار إليهم في ثمانين ألف مقاتل سوى المطوعة فأغار على ممالك الروم وأحرق وأخرب ولم يلق بأسًا. وفيها ولي اليمن عبد الله بن سليمان. وفيها ظهرت المحفرة بجرجان ورأسهم عبد القهار فغلبوا على جرجان وقتلوا وأفسدوا فسار لحربهم من طبرستان عمر بن العلاء فقتل عبد القهار ورؤوس أصحابه وتشتت باقي أصحابه. وفيها كان مقتل عبد السلام بن هاشم اليشكري الذي خرج بحلب وبالجزيرة وكثرت جموعه وهزم الجيوش التي حاربته حتى انتدب لحربه شبيب بن واج في ألف فارس من الأبطال وأعطوا وفيها توفي أبو عتبة عباد بن عباد الخواص. كان من أهل المحبة وعنه أخذ مشايخ الطريقة كان يمشي في الأسواق ويصيح: واشوقاه إلى من يراني ولا أراه! وكان صاحب أحوال وكرامات رحمه الله. وفيها توفي محمد بن جعفر بن عبيد الله بن العباس العباسي الهاشمي كان صاحب فضل ومروءة وكان بمنزلة عظيمة عند الخليفة أبي جعفر المنصور وكان المنصور يعجب به ويحادثه وكان لبيبًا لسنًا فصيحًا. وذكر الذهبي وفاة جماعة أخر ممن تقدم ذكرهم وغيرهم على اختلاف يرد في وفاتهم قال: وفيها توفي إبراهيم بن أدهم الزاهد وإبراهيم بن نشيط المصري في قول وخالد بن أبي بكر العمري المدني وداود بن نصير الطائي وزهير بن محمد التميمي المروزي وإسرائيل بن يونس بخلف وعبد الله بن محمد بن أبي يحيى المدني سحبل ويزيد بن إبراهيم التستري بخلف ويعقوب بن محمد بن طحلاء المدني وأبو بكر بن أبي سبرة القاضي وأبو الأشهب العطاردي واسمه جعفر. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ثلاثة أذرع وعشرون إصبعًا. مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا واثنا عشر إصبعًا. على مصر هو يحيى بن داود الشهير بابن ممدود الأمير أبو صالح الخرسي من أهل خراسان. وقال صاحب " البغية ": من أهل نيسابور. ولي مصر من قبل المهدي على الصلاة والخراج بعد عزل منصور بن يزيد عنها في ذي الحجة سنة اثنتين وستين ومائة ولما قدم مصر سكن المعسكر على العادة وجعل على شرطته عسامة بن عمرو وكان أبو صالح المذكور تركيًا وفيه شدة بأس وقوة جنان مع معرفة وتدبير وكان لما قدم مصر وجد السبل بها مخيفة لكثرة المفسدين وقطاع الطريق فأخذ أبو صالح هذا في أقماع المفسدين وأبادهم وقتل منهم جماعة كثيرة فعظمت حرمته وتزايدت هيبته في قلوب الناس حتى تجاوز ذلك الحدة فكان يمنع الناس من غلق الحروب والأبواب وغلق الحوانيت حتى جعلوا عليها " شرائح " القصب والشباك لمنع الكلاب من دخولها في الليل وهو أول من صنع ذلك بمصر فكان ينادي بمصر ويقول: من ضاع له شيء فعلي أداؤه. ومنع حراس الحمامات أن يجلسوا فيها وقال: من راح له شيء فأنا أقوم له به من مالي فكان الرجل يدخل الحمام فيضع ثيابه في المثلج ثم يقول: يا أبا صالح احرس ثيابي ثم يدخل الحمام ولم يكن بها حارس ويقضي حاجته على مهل ويخرج فيلقى ثيابه كما هي لا يجسر أحد على أخذها من عظم حرمته فإنه كان أشد الملوك حرمة وأعظمهم هيبة وأقحمهم على سفك الدماء وأنهكهم عقوبة ثم إنه أمر أهل مصر من الأشراف والفقهاء والأعيان أن يلبسوا القلانس الطوال ويدخلوا بها عليه في يوم الاثنين والخميس بلا أردية فقاسى أهل مصر منه شدائد غير أن البلاد ومصر كانت في أيامه في غاية الأمن. قيل: إن أبا جعفر المنصور كان إذا ذكره يقول: هو رجل يخافني ولا يخاف الله. واستمر على إمرة مصر إلى أن عزله الخليفة محمد المهدي بسالم بن سواعة في محرم سنة أربع وستين ومائة وفرح المصريون بعزله عنهم فكانت ولايته على مصر سنة وشهرًا إلا أيامًا. وقال صاحب " البغية ": سنتين وشهرًا والأول أثبت. وهو أحد من مهد الديار المصرية وأباد أهل الحوف من قيس ويمن وغيرهم من قطاع الطريق وكان من أجل أمراء مصر لولا شدة كانت فيه. السنة الأولى من ولاية أبي صالح يحيى بن داود على مصر وهي سنة ثلاث وستين ومائة. فيها جد الأمير سعيد الحرشي في حصار المقنع حتى أشرف على أخذ قلعته فلما أحس المقنع بالهلاك مص سما وأسقى نساءه فتلف وتلفوا. وفيها عزل الخليفة محمد المهدي عبد الصمد بن علي عن إمرة الجزيرة وولاها زفر بن عاصم الهلالي. وفيها ولى المهدي ابنه هارون الرشيد بلاد المغرب كلها وأذربيجان وأرمينية وجعل كاتبه على الخراج ثابت بن موسى وعلى رسائله يحيى بن خالد بن برمك. وفيها قدم المهدي إلى حلب وجهز البعوث لغزو الروم وكانت غزوة عظيمة أمر عليها ابنه هارون الرشيد وضم إليه الربيع الحاجب وموسى بن عيسى بن موسى والحسن بن قحطبة فافتتح المسلمون فتحًا كبيرًا. وفيها قتل المهدي جماعة من الزنادقة وصلبهم وأحضرت كتبهم فقطعت. وفيها زار المهدي القدس. وحج بالناس علي بن المهدي. وفيها توفي الخليل بن أحمد بن عبد الرحمن الازدي الفراهيدي البصري صاحب العربية والعروض وقد تقدم ذكره من قول صاحب مرآة الزمان في سنة ثلاثين ومائة والأصح وفاته في هذه السنة. وفيها توفي أرطاة بن المنذر بن الأسود أبو عدي السكوني الحمصي قال: أتيت عمر بن عبد العزيز فعرض لي في خيله وقال: يا أرطاة ألا أحدثك بحديث هو عندنا من العلم المخزون. قلت: بلى قال: إذا توضأت عند البحر فالتفت إليه وقل: يا واسع المغفرة اغفر أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ذراع وأربعة عشر إصبعًا. مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا وخمسة عشر إصبعًا. M0لية سالم بن سوادة على مصر هو سالم بن سوادة التميمي أمير مصر وليها من قبل محمد المهدي بعد عزل يحيى بن داود في أول المحرم سنة أربع وستين ومائة فقدمها يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة خلت من المحرم وجعل على شرطته الأخضر بن مروان وقدم معه أيضًا أبو قطيفة إسماعيل بن إبراهيم على الخراج ولما دخل سالم إلى مصر سكن بالمعسكر على العادة ودام على إمرة مصر إلى أن مضت سنة أربع وستين ومائة ودخلت سنة خمس وستين ومائة وورد عليه الخبر من قبل الخليفة محمد المهدي بصرفه عن إمرة مصر بإبراهيم بن صالح العباسي فكانت ولايته على مصر نحو السنة. وقال صاحب " البغية ": صرف في سلخ ذي الحجة فكان مقامه بمصر سنة إلا ثمانية عشر يومًا. وفي أيامه كانت حروب كثيرة بمصر وبلاد المغرب وجهز عساكر مصر نجدة إلى من كان في برقة ثم عادوا من غير قتال لما بلغتهم الفتنة التي كانت بالمغرب بين بربر بلنسية وبربر شنت برية من الأندلس وجرت بينهم حروب كثيرة قتل فيها خلق من الطائفتين وكانت بينهم وقائع مشهورة السنة التي حكم فيها سالم بن سوادة على مصر وهي سنة أربع وستين ومائة. فيها حج بالناس صالح بن المنصور. وفيها غزا هارون الرشيد ابن الخليفة المهدي الصائفة فوغل في بلاد الروم ووقع له بالروم حروب وافتتح عدة حصون حتى بلغ خليج قسطنطينية وصالح ملك الروم في العام على سبعين ألف دينار مدة ثلاث سنين بعد أن غنم وسبى واستنقذ خلقًا من المسلمين من الأسر وغنم مالا يوصف من المواشي حتى بيع البرذون بدرهم والزردية بدرهم وعشرون سيفًا بدرهم وقتل من العدو نحو خمسين ألفًا قاله الذهبي ثم رجع فسر به أبوه المهدي. وقيل: إن هذه الغزوة كانت في سنة خمس وستين ومائة. وفيها عزل المهدي محمد بن سليمان عن البصرة وفارس واستعمل عليها صالح بن داود بن علي. وفيها خرج المهدي حاجًا فوصل العقبة فعطش الناس وجهد الحجيج. وأخذت المهدي الحمى فرجع من العقبة وغضب على يقطين بن موسى حيث لم يصلح المصانع على الوجه ولاقى الناس شدة من قلة الماء. وفيها توفي شبيب بن شيبة أبو معمر المنقري كان خطيبًا لسنًا فصيحًا دخل على المنصور فقال: يا شبيب عظني وأوجز فقال: يا أمير المؤمنين إن الله لم يرض أن يجعل أحدًا من خلقه فوقك فلا ترض لنفسك أن يكون أشكر له في الأرض منك فقال أحسنت وأوجزت!. وذكر الذهبي وفاة جماعة أخر في تاريخه مع خلاف يرد عليه قال: وفيها توفي إسحاق بن يحيى بن طلحة التيمي وسلام بن مسكين في قول وسلام بن أبي مطيع في قول أيضًا وعبد الله بن زيد بن أسلم العدوي وعبد الله بن شعيب بن الحبحاب وعبد الله بن العلاء بن زبر وعبد الرحمن بن عيسى بن وردان وعبد العزيز بن عبد الله بن الماجشون وعبد المجيد بن أبي عبس الأنصاري وعمر بن أبي زادة في قول الواقدي وعمر بن عثمان بن عبد الرحمن بن سعيد بن يربوع والقاسم بن معن المسعودي في قول خليفة. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ذراع وستة عشر إصبعًا. مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا وخمسة عشر إصبعًا. ذكر ولاية إبراهيم بن صالح الأولى على مصر هو إبراهيم بن صالح بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي أمير مصر. وليها من قبل ابن عمه المهدي على الصلاة والخراج معًا وقم إلى مصر لإحدى عشرة ليلة خلت من المحرم سنة خمس وستين ومائة ونزل العسكر على عادة أمراء مصر في الدولة العباسية ثم ابتنى دارًا عظيمة بالموقف من العسكر وجعل على شرطته عسامة بن عمرو ودام إبراهيم بمصر إلى أن خرج دحية بن المعصب بن الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان بالصعيد ودعا لنفسه بالخلافة فتراخى عنه إبراهيم هذا ولم يحفل بأمره حتى استفحل أمر دحية وملك غالب بلاد الصعيد وكاد أمره أن يتم ويفسد بلاد مصر وأمرها فسخط المهدي عليه بسبب ذلك وعزله عزلًا قبيحًا في سابع ذي الحجة سنة 167 بموسى بن مصعب. فكانت ولاية إبراهيم بن صالح هذه على مصر ثلاث سنين إلا أيامًا وصادره المهدي بعد عزله وأخذ منه ومن عماله ثلاثمائة وخمسين ألف دينار ثم رضي عنه بعد ذلك وولاه غير مصر ثم أعاده الرشيد إلى عمل مصر ثانيًا في سنة ست وسبعين ومائة. يأتي ذكر ذلك في ولايته الثانية إن شاء الله تعالى. السنة الأولى من ولاية إبراهيم بن صالح الأولى على مصر وهي سنة خمس وستين ومائة. فيها كانت غزوة هارون الرشيد ابن الخليفة المهدي السابق ذكرها على الأصح. وفيها حج بالناس صالح بن المنصور. وفيها توفي داود بن نصير أبو سليمان الطائي العابدة كان كبير الشأن في العلم والورع والزهد وسمع الحديث كثيرًا وتفقه على أبي حنيفة رضي الله عنه وأحد أصحابه الكبار. وفيها توفي حماد بن أبي حنيفة النعمان بن ثابت الكوفي كان أحد الأعلام تفقه بأبيه وكان إمامًا كثير الورع فقيهًا صالحًا. وفيها توفي خالد بن برمك والد البرامكة ووالد يحيى بن خالد وجد جعفر والفضل وكان جليل القدر خصيصًا عند المنصور وابنه المهدي وولي الأعمال الجليلة وكان عاقلًا مدبرًا سيوسًا. وذكر الذهبي وفاة جماعة على اختلاف فيهم قال: وفيها توفي حماد بن أبي حنيفة وخالد بن برمك والد البرامكة وخارجة بن عبد الله بن سليمان بن زيد بن ثابت المدني وسليمان بن المغيرة البصري وداود الطائي الزاهد بخلف - وقول الذهبي بخلف يعني أنه على اختلاف وقع في وفياتهم انتهى - وعبد الرحمن بن ثابت بن ثوبان ومعروف بن مشكان قارىء مكة ووهيب بن خالد بالبصرة وأبو الأشهب العطاردي بخلف. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ذراع وعشرة أصابع. مبلغ الزيادة أربعة عشر ذراعًا وإصبع واحد. السنة الثانية من ولاية إبراهيم بن صالح الأولى على مصر وهي سنة ست وستين ومائة. فيها خرج موسى بن المهدي الخليفة إلى جرجان واستقضى أبا يوسف يعقوب صاحب أبي حنيفة. وفيها أمر الخليفة محمد المهدي بإقامة البريد من اليمن إلى وفيها توفي عاصم بن عبد الحميد الفهري شيخ ابن وهب. كان إمامًا فاضلًا رحمه الله. وفيها عزل المهدي عن قضاء البصرة عبيد الله بن الحسن وولاها خالد بن طليق بن عمران بن حصين. وفيها غضب الخليفة المهدي على وزيره يعقوب بن داود بن طهمان وكان خصيصًا به فحسده موالي المهدي وسعوا به حتى قبض عليه وكان الوزير يعقوب كثير الأنهماك في اللذات وكان المهدي لا يحب النبيذ لكن يتفرج على غلمانه وهم يشربون فلما عظم أمر الوزير يعقوب وصار الحل والعقد بيده مع انهماكه قال في ذلك بشار بن برد: " البسيط " بني أمية هبوا طال نومكم إن الخليفة يعقوب بن داود ضاعت خلافتكم يا قوم فاطلبوا خليفة الله بين الدف والعود وفيها اضطربت خراسان على المسيب بن زهير فصرفه المهدي عن إمرتها بالفضل بن سليمان الطوسي وأضاف إليه سجستان. وفيها قدم وضاح الشروي بعبد الله ابن الوزير أبي عبيد الله يعقوب المقدم ذكره وكان رمي بالزندقة فقتله المهدي بحضرة أبيه وأباد المهدي الزنادقة في هذه السنة وقتل منهم خلائق. الذين ذكرهم الذهبي في وفيات هذه السنة. قال: وفيها توفي خالد بن يزيد المري وخليد بن دعلج السدوسي وصدقة بن عبد الله السمين وعقبة بن عبد الله الرفاعي الأصم بخلف وعقبة بن أبي الصهباء الباهلي البصريان وعفير بن معدان الحمصي وعقبة بن نافع المعافري الإسكندراني في قول والصواب في سنة ثلاث وستين ومائة وعاصم بن عبد الحميد الفهري شيخ ابن وهب ومعقل بن عبيد الله الجزري. وفي أولها دفنوا أبا الأشهب العطاردي. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ذراعًان سواء. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وإصبع واحد. السنة الثالثة من ولاية إبراهيم بن صالح الأولى على مصر وهي سنة سبع وستين ومائة. فيها أمر المهدي بالزيادة الكبرى في المسجد الحرام فدخلت في ذلك دور كثيرة وولى البناء يقطين " بن موسى " الأمير ومات المهدي ولم يتم بناؤه. وفيها أظلمت الدنيا ظلمة شديدة لليال بقين من ذي الحجة وأمطرت السماء رملًا أحمر ثم وقع عقيبه وباء شديد هلك فيه معظم أهل بغداد والبصرة. وفيها حج بالناس إبراهيم بن يحيى بن محمد أمير المدينة ثم توفي بعد عوده إلى المدينة بأيام وتولى المدينة من بعده إسحاق بن عيسى بن علي. وفيها عزل المهدي عن ديوان الرسائل أبا عبيد الله الأشعري الذي كان وزيره وقبض عليه في الماضية ثم أطلقه وولاه ديوان الرسائل فعزله في هذه السنة وولى مكانه الربيع الحاجب فاستناب الربيع فيه سعيد بن واقد. وفيها جد المهدي في تتبع الزنادقة والبحث عنهم في الآفاق وقتل منهم خلائق. وفيها توفي بشار بن برد أبو معاذ العقيلي بالولاء الضرير الشاعر المشهور ولد أعمى جاحظ الحدقتين قد تغشاهما لحم أحمر. وكان ضخمًا عظيم الخلقة والوجه مجدرًا طويلا وكان يرمى بالزندقة ويروى عنه أنه كان يفضل النار على الأرض ويصوب رأي إبليس في امتناعه من السجود لآدم صلوات الله عليه وفي تفضيل النار يقول: " البسيط " الأرض مظلمة والنار مشرقة والنار معبودة مذ كانت النار ومن شعره في غير هذا: " البسيط " يا قوم أذني لبعض الحي عاشقة والأذن تعشق قبل العين أحيانا قالوا بمن لا ترى تهذي فقلت لهم الأذن كالعين توفي القلب ما كانا وله في المشورة: " الطويل " إذا بلغ الرأي المشورة فاستعن بحزم نصيح أو فصاحة حازم وله في التشبيهات قوله: " الطويل " كأن مثار النقع فوق رؤوسنا وأسيافنا ليل تهاوى كواكبه وفيها توفي عيسى بن موسى بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الأمير الهاشمي العباسي وهو ابن أخي السفاح والمنصور وجعله السفاح ولي عهده بعد أخيه المنصور فلا زال به المنصور في أيام خلافته حتى جعل المهدي ابنه قبله في ولاية العهد ثم خلعه المهدي من ولاية العهد بالكلية بعد أمور صدرت وكان عيسى هذا يلقب في أيام ولاية العهد بالمرتضى وولي عيسى المذكور أعمالًا جليلة إلى أن توفي. أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ذراع واحد وأربعة أصابع. مبلغ الزيادة ستة عشر ذراعًا وثمانية عشر إصبعًا. ولاية موسى بن مصعب على مصر هو موسى بن مصعب بن الربيع الخثعمي مولى خثعم. أصله من أهل الموصل ولاه المهدي إمرة مصر - بعد عزل إبراهيم بن صالح عنها سنة سبع وستين ومائة - على الصلاة والخراج وقدم مصر في يوم السبت سابع ذي الحجة من السنة المذكورة وعند دخوله إلى مصر رد إبراهيم بن صالح معه إلى مصر بعد أن كان خرج منها وقال: أمرني الخليفة بمصادرتك فصادره وأخذ منه ومن عماله ثلاثمائة ألف دينار ثم أمر إبراهيم بالمسير إلى بغداد فسار إليها ولما دخل موسى هذا إلى مصر سكن بالعسكر. وجعل على شرطته عسامة بن عمرو وأخذ موسى في أيام إمرته على مصر يتشدد على الناس في استخراج الخراج وزاد على كل فدان ضعف ما كان أولا ولقي الناس منه شدائد وساءت سيرته وارتشى في الأحكام ثم رتب دراهم على أهل الأسواق وعلى الدواب فكرهه الجند وتشغبوا عليه ونابذوه وثارت قيس واليمانية وكاتبوا أهل مصر فاتفقوا عليه ثم اشتغل موسى هذا بأمر دحية الأموي الخارج ببلاد الصعيد المقدم ذكره وجهز إليه جيوشا لقتاله ثم خرج هو بنفسه في جميع جيوش مصر لقتال قيس واليمانية فلما التقوا انهزم عنه أهل مصر بأجمعهم وأسلموه فقتل ولم يتكلم أحد من أهل مصر لأجله كلمة واحدة وكان قتله لسبع خلون من شوال سنة ثمان وستين ومائة فكانت ولايته على مصر عشرة أشهر وولي بعده عسامة بن عمرو وكان موسى استخلفه بعد خروجه للقتال. وكان موسى هذا من شر ملوك مصر كان ظالمًا غاشمًا سمعه الليث بن سعد يقرأ في خطبته: إنا أعتدنا ومن غريب الاتفاق: أن موسى بن كعب أمير مصر المقدم ذكره في موضعه لما عزله أبو جعفر المنصور عن إمرة مصر بمحمد بن الأشعث كتب إليه: إني قد عزلتك لا لسخط ولكن بلغني أن غلاما يقتل بمصر من أمرائها يقال له موسى فكرهت أن تكونه فأخذ موسى كلام المنصور لغرض. وبقي أهل مصر يتذاكرون ذلك إلى أن قتل موسى هذا بعد ذلك بسبع وعشرين سنة. السنة التي حكم فيها موسى بن مصعب على مصر وهي سنة ثمان وستين ومائة. فيها جهز المهدي سعيدًا الحرشي لغزو طبرستان في أربعين ألفا. وفيها حج بالناس علي بن المهدي. وفيها نقضت الروم الصلح بعد فراغه بثلاثة أشهر فتوخه إليهم يزيد بن بدر بن أبي محمد البطال في سرية فغنموا وظفروا. وفيها مات عمر الكلواذاني عريف الزنادقة وتولى بعده حمدويه الميساني. وفيها توفي الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب أبو محمد الهاشمي المدني وأمه أم ولد. كان عابدًا ثقة ولي المدينة لأبي جعفر المنصور خمس سنين ثم غضب عليه أبو جعفر وعزله واستصفى أمواله وحبسه فلم يزل محبوسا حتى مات المنصور فأخرجه المهدي ورد عليه كل شيء كان أخذ له ولم يزل عند المهدي مقربًا إلى أن مات في هذه السنة. وفيها توفي حماد بن سلمة أبو سلمة البصري مولى بني تميم كان من أهل البصرة وهو ابن أخت حميد الطويل كان ثقة عالمًا زاهدًا صالحًا كبير الشأن. الذين ذكر وفاتهم الذهبي على اختلاف في وفاتهم قال: وتوفي أبو أمية " أيوب " بن خوط البصري وجعفر الأحمر بخلف وأبو الغصن ثابت بن قيس المدني والأمير الحسن بن زيد بن السيد الحسن سبط النبي صلى اله عليه و سلم - قلت: وهو الذي ذكرناه في هذه السنة - قال: وتوفي خارجة بن مصعب السرخسي وسعيد بن بشير بدمشق وقيل سنة تسع وأبو مهدي سعيد بن سنان الحمصي وطعمة بن عمرو الجعفري الكوفي وعبيد الله بن الحسن العنبربي قاضي البصرة وغوث بن سليمان بمصر ومحمد بن صالح التمار وأبو حمزة السكري في قول ومفضل بن مهلهل في قول ونافع بن يزيد الكلاعي بمصر ويحيى بن أيوب المصري وقيل سنة ثلاث. الماء القديم ذراعان سواء. مبلغ الزيادة خمسة عشر ذراعًا وخمسة عشر إصبعًا. ذكر ولاية عسامة بن عمرو على مصر هو عسامة بن عمرو بن علقمة بن معلوم بن جبريل بن أوس بن دحية المعافري الأمير أبو داجن أمير مصر وعسامة بفتح العين المهملة والسين المهملة مشددة وبعد الألف ميم مفتوحة وهاء ساكنة. وليها باستخلاف موسى بن مصعب له فلما قتل موسى أقره المهدي على إمرة مصر عوضه وكان ذلك في شوال سنة ثمان وستين ومائة وكان ولي الشرطة لمصر لعدة من أمراء مصر ولما ولي إمرة مصر افتتح إمرته بحرب دحية الأموي الخارج ببلاد الصعيد في إمرة موسى فبعث إليه جيوشا مع أخيه بكار بن عمرو فحارب بكار المذكور يوسف بن نصير مقدمة جيش دحية المذكور وتطاعنا فوضع يوسف الرمح في خاصرة بكار ووضع بكار الرمح في خاصرة يوسف فقتلا معًا ورجع الجيشان منهزمين وكان ذلك في ذي الحجة سنة ثمان وستين ومائة. فلم يقم عسامة بعد ذلك إلا أيامًا يسيرة وورد عليه الخبر من الفضل بن صالح العباسي أنه ولي مصر وقد استخلف عسامة المذكور على صلاتها حتى يحضر فخلفه عسامة على الصلاة حتى حضر الفضل في سلخ المحرم سنة تسع وستين ومائة فكانت ولاية عسامة على مصر ثلاثة أشهر إلا أياما. واستمر عسامة بمصر بعد ذلك سنين إلى أن استخلفه إبراهيم بن صالح لما ولي مصر قبل أن يدخلها على الصلاة فخلفه عسامة المذكور أياما يسيرة بها حتى حضر إبراهيم ثم أقام عسامة بعد ذلك بمصر إلى أن مات بها يوم الجمعة لست أو لسبع بقين من شهر ربيع الآخر سنة ست وسبعين ومائة. السنة التي حكم فيها عسامة وغيره على مصر وهي سنة تسع وستين ومائة. فيها خرج المهدي من بغداد يريد ماسبذان واستخلف الربيع الحاجب على بغداد وسبب خروجه أنه رأى تقديم ولده هارون على أخيه موسى وكلاهما أمه الخيزران فأرسل المهدي إلى ولده موسى وكلاء وهو بجرجان فامتنع من المجيء ثم أرسل إليه ثانيًا فلم يأت فسار إليه المهدي فمات في طريقه. ذكر وفاة المهدي ونسبه هو محمد بن أبي جعفر المنصور عبد الله بن محمد بن علي بن عبد الله بن العباس الهاشمي العباسي أمير المؤمنين وهو الثالث من خلفاء بني العباس. بويع بالخلافة بعد وفاة أبيه في ذي الحجة سنة ثمان وخمسين ومائة ومولده سنة سبع وعشرين ومائة وأمه بنت منصور الحميرية ومات في المحرم من هذه السنة. وسبب موته قيل: إنه ساق في مسيره خلف صيد فاقتحم الصيد خربة فدخلت الكلاب خلفه وتبعهم المهدي فدق ظهره في باب الخربة مع شدة سوق الفرس فمات من ساعته. وقيل: بل سمه بعض حواشيه. وقيل: بل أكل أبخاصًا فصاح: جوفي جوفي ومات من الغد بقرية من قرى ماسبذان وقيل غير ذلك. فبويع موسى الهادي ولده بالخلافة وركب البريد من جرجان إلى بغداد في عشرين يوما ولا يعرف خليفة ركب البريد سواه. وكان وصول الهادي إلى بغداد في عاشر صفر من سنة تسع وستين ومائة. قلت: وينبغي أن نلحق قضية موسى الهادي في كتاب " الفرج بعد الشدة " فإنه كان أبوه يريد خلعه من ولاية العهد ويقدم الرشيد عليه فجاءته الخلافة دفعة واحدة. وفيها توفي الربيع الحاجب كان من عظماء الدولة العباسية ونالته السعادة و طالت أيامه وولي وفيها حج بالناس سليمان بن أبي جعفر المنصور. وفيها توفي إبراهيم بن عثمان أبو شيبة قاضي واسط مولى بني عبس كان كاتبه يزيد بن هارون وكان عادلا في أحكامه حسن السيرة. وفيها توفي إدريس بن عبد الله بن حسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب كان خرج مع الحسين صاحب فخ فلما قتل الحسين هرب إدريس هذا إلى مصر وكان على بريد مصر واضح فحمله واضح المذكور إلى المغرب فنزل بمدينة وليلة وبايعه الناس والبربر وكاد أمره أن يتم فدس عليه الهادي أو الرشيد الشماخ اليماني مولى المهدي فخرج الشماخ إلى المغرب في صفة طبيب فشكا إدريس من أسنانه فأعطاه الشماخ سنونًا مسمومًا وقال له: بعد صلاة الفجر استعمله وهرب الشماخ من يومه فمات إدريس بعد أن استعمل السنون بيوم. وقد تقدم أيضًا ذكر إدريس هذا في ولاية واضح على مصر. وفيها قتل الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب صاحب فخ الذي كان خرج قبل هذه المرة ثم ظهر ثانيا في هذه السنة بالمدينة وكان متولي المدينة عمر بن عبد العزيز بن عبد الله بن عبد الله بن عمر بن الخطاب فقاتله عمر المذكور وآخر الأمر أن الحسين هذا قتل وقتل معه أصحابه وكانت عدة الرؤوس التي حملت إلى الخليفة مائة رأس. وفيها توفي محمد بن عبد الرحمن بن هشام أبو خالد القاضي المكي ولي قضاء مكة وكان قصيرًا عميمًا وكان عنقه داخلًا في بدنه سمعته امرأته يومًا وهو يقول: اللهم أعتق رقبتي من النار فقالت: و أي رقبة لك! وقيل: إن أمه قالت له: يا ولدي إنك قد خلقت خلقة لا تصلح معها لمعاشرة الفتيان فعليك بالدين والعلم فأنهما يتممان النقائص " ويرفعان الخسائس. " قال: " فنفعني الله بما قالت فتعلمت العلم حتى وليت القضاء ". أمر النيل في هذه السنة: الماء القديم ذراعان وخمسة عشر إصبعًا. مبلغ الزيادة سبعة عشر ذراعًا وخمسة عشر إصبعًا.
|